2025-09-30
HaiPress
منذ الانتشار السريع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي أواخر عام 2022، بدأ تغيير عميق يرسم ملامح جديدة لسوق العمل العالمي. لكن هذا التغيير لا يطال الجميع بالتساوي، فقد كشفت دراسة حديثة ورائدة من جامعة ستانفورد أن الأثر الأوضح والأسرع لهذه الثورة التكنولوجية يتركز على الفئة الأكثر هشاشة: الموظفون الشباب والداخلون الجدد إلى سوق العمل، الذين يجدون أنفسهم اليوم في منافسة مباشرة وغير متكافئة مع الآلة.
اقرأ أيضاً: ثورة الذكاء الاصطناعي في هوليوود: إبداع لا حدود له.. أم نهاية عصر المبدع البشري؟
في دراسة بعنوان "العصافير في منجم الفحم؟ ست حقائق حول الآثار الأخيرة للذكاء الاصطناعي على التوظيف"، حلل باحثون من جامعة ستانفورد بيانات ضخمة من شركة "ADP"، أكبر مزود لخدمات الرواتب في أمريكا، لمراقبة التحولات في سوق العمل.
وكانت النتائج مقلقة. فقد أظهرت الدراسة أن المهن الأكثر عرضة لتأثير الذكاء الاصطناعي (مثل تطوير البرمجيات وخدمة العملاء)، شهدت تراجعاً في توظيف الفئة العمرية ما بين 22 و 25 عاماً بنسبة تقارب 13%، مقارنة بالفترة التي سبقت انتشار هذه الأدوات. في المقابل، لم تتأثر الفئات العمرية الأكبر سناً بنفس الوتيرة، بل حافظت على استقرارها الوظيفي.
يفسر الباحثون هذه الظاهرة بأن الموظفين الجدد، الذين يعتمدون بشكل أساسي على المعرفة الأكاديمية والنظرية التي اكتسبوها في الجامعة، يتنافسون مباشرة مع الذكاء الاصطناعي، الذي تم تدريبه على نفس الكم الهائل من النصوص والمصادر النظرية. كما أن مهامهم الأولية غالباً ما تكون محددة وقابلة للأتمتة بسهولة.
أما الموظفون الأكبر سناً، فيتمتعون بما يُعرف بـ "المعرفة الضمنية" (Tacit Knowledge)، وهي الخبرات العملية المتراكمة، والقدرة على فهم السياق التنظيمي، وبناء العلاقات المهنية، وهي أبعاد لا يزال من الصعب جداً على الذكاء الاصطناعي محاكاتها.
وتؤكد دراسات أخرى أن الذكاء الاصطناعي، بينما يزيح بعض المهارات، فإنه في المقابل يزيد من الطلب على المهارات البشرية التكميلية. فقد وجدت الأبحاث أن الطلب على مهارات مثل التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والقدرة على التكيف، والذكاء العاطفي قد ارتفع بشكل ملحوظ بعد انتشار أدوات مثل "ChatGPT".
وهذا يعني أن الوظائف القادرة على الصمود والنمو في المستقبل ستكون تلك التي تمزج بين القدرات الذهنية البشرية الفريدة والتفاعل الاجتماعي المباشر.
يوصي الخبراء الشباب الذين يستعدون لدخول سوق العمل أو بدأوا فيه للتو، باتباع استراتيجيات واضحة لضمان بقائهم وتفوقهم:
الاستثمار في المهارات الإنسانية: التركيز على تطوير مهارات لا يمكن للآلة أتمتتها، مثل القيادة، والتعاطف، وإدارة النزاعات، واتخاذ القرارات الأخلاقية المعقدة.
التفكير النقدي: تجنب الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي كبديل للتفكير، واستخدامه كأداة مساعدة، مع الاستمرار في صقل القدرة على حل المشكلات المعقدة بشكل مستقل.
التعلم المستمر والتكيف: الاستثمار في التعليم المستمر الذي يركز على اكتساب المهارات الناعمة، وتعلم كيفية استخدام التقنيات الجديدة بفعالية لتعزيز الأداء البشري، لا استبداله.